شذرات فلسفية – ٢

عندما يسأل المعلم طلابه في الصف الابتدائي عن أي فصل من فصول السنة يحبون، فإنه سيتلقى أربع إجابات مختلفة، وإن اجتمع االقسم الأكبر منهم رأي الربيع. أما لو سألهم عن ناتج جمع واحد مع اثنين، فالجميع سيعطي إجابة واحدة ويقول: ثلاثة. فجمال فصل الربيع نسبي، أما ناتج الجمع مطلق.
عندما يكبر الطلبة ويتخرجون من المدرسة ليلتحقوا بالجامعة، سيكونون قد نضجوا فكرياً ووصلوا إلى مستوى أعلى، يتمكن معه أستاذهم الجامعي من سؤالهم عن الوجود والخلق، وهنا سيتلقى إجابات متباينة بين مؤمن وملحد وشكوكي مرتاب. تلك هي النسبية في الحكم، بالضبط كجمال الربيع الذي يفضّل البعض الصيف أو الشتاء أو الخريف عليه، على الرغم من راحة البدن الآدمي فيه من التعرق أو الانجماد، وراحة العين برؤية الزهور والألوان الخلابة وشمه لأزكى الروائح المنبعثة من الزهور. تلك النسبية في الوصول إلى خالق للكون مبني على أسس مختلفة خميرتها تكمن في العقل الباطن الذي خزّن بمرور الأزمان فكراً ثرياً جعله يسلك أحد السبيلين لا إرادياً مهما قرأ لاحقا لنقائض المخزون ذاك، فيتوصل لإلحاد ثري وغني بالعقلانية، أو لإيمان ثري وغني بالعقلانية أيضاً، أو لا يمكنه الفصل بينهما فيقع في ريبة من أمره. لذلك نجد كبار العلماء والمفكرين ينتهجون منهجا نستغربه كأن يصير عالم عظيم من علماء فيزياء الكون ملحداً، أو أن يصير فيلسوفا غير وجه البشرية مؤمناً.

اترك تعليقاً