الدولة الاسلامية مابين كتاب الله وقرآنه
لن انسى صوت ضحكات الله في وجداني حينما دعوته دعاءاً استلطفه مني ودغدغ احاسيسه الى درجة ان ضحك لي وابتسم بعدها في وجهي ابتسامة اشرق لي بنوره السموات والارض. فذات يوم بعد ان استلقيت على سريري الحديدي فوق السطح ليلا في ذلك الصيف الملتهب كي استطيع من النوم في الهواء الطلق بدلاً من النوم بين حيطان غرفتي الملتهبة بعد انقطاع الكهرباء لسنوات بسبب الحرب، رفعت يديّٓ الى السماء كي ادعوا صديقي ورفيقي بان اكون كما يريدني هو على اتم وجه وان يقلع من قلبي امراً غرسه هو فينا وطلب منا بالاعتدال فيه. امراً اعاقني واتعبني في المسير عبر الحياة، امر يكاد مستحيلا العيش دونه الا وهو حب النساء. وليته كان حباً فحسب، بل عشق وهيام. فطلبت منه تلك الليلة قبل المنام وانا ادعوه: “اللهم طهر قلبي من حب النساء” وما دعوته الا واجد نفسي اقف لبرهة قاطعاً الدعاء، وما زالت يداي مرفوعتان وانا صامت افكر فيما طلبت، لاعود مستكملا طلبي بقولي: “ولو انهن شهيات” حينها ارتسمت على وجهي ابتسامة بعد ان سمعته يضحك في وجداني. ضحك لانه خالق رحيم، لا يؤاخذني في حب ملك قلبي هو واهبه. لانه يعلم بانني لم انافسه في الخلق كي اخلق ذلك الحب في نفسي، انما هو خالقي وخالق ذلك الحب الذي طلب مني بعد اهدائي اياه بان اعتدل في ممارسته دون انفلات.
مرت الايام وانا مواظب على الدعاء والاعتدال والاقتراب الى الله الى درجة تعديت مرحلة ان اكون كما يريدني هو ان اكون، ليصل الامر بي الٰها انافسه في الخلق حين خلقت في داخلي بفكري اموراً لم ينزل هو علينا منها بشيء. فاصبح لدي الحلال مكروها، والمكروه حرام، والحرام كفراً وردة. اصبحت الٰها امتلك قرآني وديني غير قران ودين منافسي الذي كان ذات يوم صديقا لي يفهمني وافهمه ونضحك سويا لحماقاتي.
هي نفسها المصطلحات في ديني ودين الله. فكتابي يدعى القرآن وهو ذات الاسم لكتاب الله. وكل ما جاء في الكتابين هو متطابقان في المضمون، مختلفان في التأدية. لم تتغير المصطلحات في ديني الجديد المخلوق بداخلي، بل هي نفسها بنيت عليها دستوري. فالحلال والحرام ظل متواجدا كمصطلح ولكن تغير واجب التأدية لها.
ومن ضمن تلك الاوامر الجهاد، فهو متواجد في كتاب الله وفي قرآني. غير ان ساحاته يختلفان. فعندما كان كتاب الله يامر اتباعه بالجهاد على من خرج من الانسانية، كان قرآني يامرني بالجهاد على الانسان دون النظر في اصله وعرقه. الامر الذي ادى بي الى تكفير الاتحاد الاسلامي في كردستان الذي لم يكن يرى للجهاد من وجوب في فيها. وكنت اتحفظ على الحركة الاسلامية التي كانت اكثر تشدداً من الاتحاد وكانت اقرب لي في الفكر حينما كانت تقدس الجهاد وحمل السلاح، ولكن تحفظي كان على امتناعهم من اداء الواجب المقدس هذا في جميع الظروف، فامتنعوا منه في ظروف كردستان. لذلك وجدت نفسي ابتعد واخرج عن الطريق من طرفه مبتعداً عنهم لا ارضى الا بقرآني وايماني.
الامر الذي ابقاني ضمن المجتمع مسالماً لا اشكل خطراً على احد، هو اننا لم نجد قائداً من يجمعنا انا والالهة من امثالي انداد الله في بوتقه واحدة ويغذينا بما لزم صهرنا به كي يخرج منه كياناً نرضاه لانفسنا يجمعنا تحت راية توحدنا ارتضينا بتسميتها بلا اله الا الله، لاننا لم نكن نجد في ذلك هزيمة لالوهيتنا، فلو عظم شأن الله الند لنا عظم شأننا به، فهو يمثلنا ونحن نمثله في اعتقادنا. ودارت بي الايام طويلاً دون ان ياتي ذلك القائد كي ياخذ بيدي وينتشلني من كفر المجتمع وردتهم وافة الاعتدال، كي نلتحق بالواجب المقدس ونبني دولتنا التي نعيش فيها برضا عن الذات وطمأنينة. استمر مسيري من السفح في هذا الاتجاه نحو الاعلى الى ان وصلت الى قمة جبل الاوهام، ولان الكينونة لدى الاله تابى السكون، استمريت بالمسير دون توقف كي اجد نفسي انحدر من الجهة الاخرى للجبل. الى ان وصلت الى سفح اخر تاركاً ذلك الجبل الشاهق من الظلام ورائي كي اعود الى مجتمعي من جديد، وابتسم لحماقتي من حملي لعبء الادراك الخاطيء، وكيف اوشكت على الهلاك بخسراني لصداقة الله وخسراني لعضوية المجتمع. وبعد عودتي سالماً من ذلك المشوار الطويل، شعرت واحسست بانسانيتي، وتيقنت بان للانسان رباً خلقه وما الانسان بالٰه. فتوجهت لقراءة كتاب الله من جديد، فكانت الصدمة الكبرى التي اوقفت شعر رأسي ايام كان لي شعر، لاجد بان كتابه هو نفسه قرآني بسوره واياته والذي اتخذته لي مصدراً للامر والنهي، ومنهجا للحياة والممات.
من الصعوبة فهم ما تصنعه الدولة الاسلامية من ذبح وحرق وقتل وسبي ورجم وجلد واختطاف وسحل ورمي وما تفننو به من اجرام، بل استحالة في استملاك ذلك الفهم. فلن يفهم الدولة الاسلامية شخص الا من وجد نفسه داعشيا يوما ما. فالامر لا يتعلق بالاسلام ولا باي دين او عقيدة، انما الامر متعلق بالمرض والانحراف في النفسية والتفكير. ولذلك لا يفهمها شخصا مثلي، لانني وبكل بساطة كنت مريضا تلك الايام ومنحرفاً الى درجة ان اشركت بالله حين اتخذت من نفسي وفكري الٰها مساويا لله. الامر ليس بتلك السهولة فلا تستسهلوه، انه اخطر من سم العقارب والثعابين، لانه يفقدنا من مشاهدة الحياة ويصيبنا بالعمى في البصيرة، فيتحول لدى الانسان كل شيء الى النقيض، فيتحول لديه اللون الاخضر للاشجار الى صفار، والبحار الى براكين، ونسمات الهواء الى ذرات غبار، والحرية الى قيود، والاخوة الى عداوة، والحلال الى حرام. دون ان تتغير في تلك الامور في الابصار من شيء، فيظل المرء يرى ببصره الخضار والبحار ونسمات الهواء والحرية والاخوة والحلال. فكل شيء من حوله يبقى كما هو عليه باستثناء المقدرة على التمييز بين البصر والبصيرة فتنحرف لديه الرؤيا وتنقلب الموازين.
لذلك كله علينا ان نتجرأ وان نعترف بان انصار الدولة الاسلامية لم يهبطوا من القمر، بل ابناءاً تكوّٓنوا من اختراق حيامننا لبويضات نسائنا، وتحولوا اوطاراً في ارحام حبيباتنا، ورضعوا من حليبهن وكبروا على ايديهن. الى ان وصلوا لمرحلة النضوج والادراك، حينها نتوقف عن دورنا في التاهيل لناخذ قسطاً دائميا من الراحة بعد التعب من تغذيتهم وكسوتهم، فينفلتون من الطريق دون رقابة منا لسبب بسيط جداً، وهو اننا شعوب مادية تاخذ المظهر وتترك الجوهر، فنعلِّم ابنائنا كيف يُسرِّحون ُشعور رؤسهم ليتزينوا، ونهمل ما يحمل هذا الرأس وما يدور فيه، ونترك لهم مصيره دون ان نعلِّمهم كيف يزينوه.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.